اعتقد المصريون القدماء أن الأحلام هي ببساطة شكل مختلف للرؤية، حيث يعمل مفسرو الأحلام كمساعدين في تخطيط المعارك واتخاذ قرارات الدولة وفقاً لما يحلمون. ويعتقد الإغريق والرومان القدماء أن الأحلام كانت توقعات للأحداث المستقبلية وزيارات الموتى. أمّا سيجموند فرويد، وهو طبيب الأعصاب النمساوي الذي أسس مدرسة التحليل النفسي وعلم النفس الحديث، اعتبر الحلم تعبيرًا عن صراعات أو رغبات مكبوتة. اتخذ كارل يونغ، هو عالم نفس سويسري ومؤسس علم النفس التحليلي، نهجًا أكثر صرامة؛ موضحًا الأحلام على أنها نوع من "الطاقة المُشكلة،" أو العواطف أو الأفكار التي يطلقها العقل الباطن وتندمج في السرد في مناطق معينة من المخ وتظهر في أحلامنا.
أخذ علماء النفس وأطباء الأعصاب الحديثين، الذين استخدموا معدات التصوير بما في ذلك التصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغناطيسي، الأشياء إلى مستوى أعمق وأكثر تقنيًا، حيث توقعوا أن الأحلام هي طريقة المخ للتخلص من المعلومات الزائدة ودمج المعلومات المهمة، وإبقاء العقل في حالة تأهب للمخاطر. لكن لماذا تأخذ الأحلام الشكل الخاص الذي تتخذه؟ لماذا تستمر في الحلم بشأن دراستك؟ أو لماذا تحلم بالطيران، أو مطاردة حيوان بري، أو الظهور في مواقف حرجة؟ ولماذا توجد أحلام صعبة أو غريبة أو أحلام جنسية تترجم رغباتك الدفينة ولا تستطيع الكشف عنها لأي شخص في العالم؟
ما هي الأحلام؟
التفسير المُبسط لأي حلم هو أنه بمثابة نوع من تفريغ البيانات داخل المخ - مثل مسح ذكريات اليوم غير المفيدة وتخزينها في ذاكرة التخزين المؤقت. كان الباحثون يشتبهون منذ فترة طويلة في أن هذه العملية، إذا كانت موجودة، فإنها تدور بين الحُصين - قشرة في المخ تتحكم في الذاكرة - والقشرة المخية الحديثة، التي تتحكم في الفِكر. ساعدت دراسة أجريت عام ٢٠٠٧ في معهد ماكس بلانك الطبي في هايدلبرغ بألمانيا، على تأكيد هذه النظرية، من خلال العمل على الفئران المخدرة. ووجد الباحثون أنه مع اشتعال القشرة المخية الحديثة أثناء النوم، فإنها تشير إلى الحُصين، الذي يتحكم في الذاكرة، لتحميل أي معلومات فيه إلى الذاكرة قصيرة المدى. ثم يتم تنظيف الحُصين لجمع المزيد من المعلومات في اليوم التالي، بينما تقرر القشرة المخية الحديثة ما يجب نقله إلى الذاكرة طويلة المدى وما يجب التخلص منه.
تقول ديردري باريت، عالمة النفس بجامعة هارفارد ومؤلفة لجنة النوم: "إنه ليس تأثيرًا كبيرًا ومثيرًا، ولكن يبدو بالتأكيد أن الاهتمام بأحلامك يمكن أن يكون له آثار إيجابية." هذا لا يعني أن الأحلام لا تنطوي على قدر معين من فرز البيانات ومسحها. فهذه الفكرة بأن المعلومات قيد المعالجة لها صلاحية خلال الأحلام. فنحن نفرز الأشياء في فئات، ونقارنها بأحداث أخرى، مع الأخذ في الاعتبار المعلومات التي سنحجبها خلال اليوم." هناك وجهة نظر أخرى عن الحلم من عالم الأعصاب الإدراكي، أنتي ريفينسو، من جامعة سكوفد السويدية، الذي اقترح ما يسميه بنظرية محاكاة التهديد، بحجة أن المخ يستجيب للخطر المستقبلي المحتمل عن طريق تشغيل جزء محدد فيه يجعلنا على استعداد لمواجهة مخاوفنا.
قد يكون هذا هو مصدر الحلم المستمر بشأن الفشل في الدراسة للنهائيات - حيث قد تكون النهائيات كناية عن عرض تقديمي يجب عليك تقديمه أمام مديرك في العمل. أو الحلم بفقدان بعض أو كل أسنانك، وهو كناية عن القلق بشأن قول الشيء الخطأ في اللحظة الخاطئة. قد يتعلق الأمر أيضًا بالخوف من التعرض لإصابة جسدية - وهو أمر نخافه جميعًا حتى في مرحلة الطفولة. حقيقة أن موضوعات الأحلام نفسها تتكرر عند العديد من الأشخاص من مختلف البلاد والأجناس هو شيء متوقع، فالبشر يشتركون في العديد من المشاعر والمخاوف؛ مثل الخوف من الحشرات والحيوانات المفترسة، أو الخوف من الفشل، أو القلق من الإصابة بمرضٍ ما. لذلك، الوظيفة الأكثر إنتاجية للحلم هي حل المشكلات، حيث يستمر المخ النائم في العمل على الوظائف التي تعالجها اليقظة خلال النهار.
في إحدى الدراسات التي أجريت عام ٢٠١٠ في مركز ديكونيس الطبي في بوسطن، طُلب من ٩٩ شخصًا مهمة تتطلب منهم التنقل عبر متاهة ثلاثية الأبعاد. خلال جلسات تدريبهم، حصلوا على استراحة لمدة ٩٠ دقيقة، وطُلب من البعض المشاركة في أنشطة هادئة مثل القراءة، وتم إرشاد الآخرين لمحاولة أخذ قيلولة. أولئك الذين أخذوا قيلولة وحلموا بالمتاهة، أظهروا تحسنًا في المهمة بمقدار عشرة أضعاف في الجلسة التالية. يحدث شيء مشابه عندما يدرس الطلاب لإجراء اختبار، ويجدون أنهم يتقنون المادة بشكل أفضل بعد أن استيقظوا، خاصةً إذا حلموا حتى بشكل غير مباشر بما كانوا يتعلمونه.
لذلك، يقول الباحثون أن العقل النائم قد لا يبدو أداة مناسبة لأي تفكير نقدي أو عملي، ولكن يمكن للبشر في الواقع حل المشكلات أثناء النوم. ليس هذا فقط، ولكن قد يكون أحد أهداف الحلم نفسه هو مساعدتنا في إيجاد حلول للألغاز والمشاكل التي واجهناها أثناء اليوم. قالت ديردري باريت، عالمة النفس بجامعة هارفارد: "إن الأحلام هي صورة بصرية وغالبًا ما تكون غير منطقية في طبيعتها، مما يجعلها ناضجة لنوع من التفكير النقدي والتحليلي الذي يتطلبه حل المشكلات.
وأخيرًا - ولنعطي لنظرية فرويد حقها - هناك أحلام تبدو وكأنها تحقيق لرغبات دفينة. قد تمثل الأحلام حول الطيران الرغبة في الحرية، أو قد تُعبّر الأحلام عن إيجاد غرف جديدة في منزلك عن الرغبة في فرصة جديدة أو الرغبة لإحداث تغيير في حياتك.
من المرجّح أن تكون ليالينا ونومنا أكثر هدوءًا إذا لم نحلم على الإطلاق، أو على الأقل لم نحلم كثيرًا. لكن، عقولنا لن تكون غنية وأدمغتنا لن تستفيد من تأثير الأحلام عليها، ولن نرى رغباتنا تتحقق في خيالنا الحي ويلهمنا ذلك للعمل حقاً على تحقيقها. في بعض الأحيان قد تُجهدنا بعض الأحلام، إذا كانت مُخيفة أو مقلقة،ولكن، إن غرفة النوم هي مثل كل المسارح الجيدة، نادرًا ما ستشعر بالملل من خيالك الحي.