كيفية ممارسة الحديث الإيجابي مع النفس

الدكتورة هبه الزعبي

الدكتورة هبه الزعبي

طبيبة

هل تعلم أن الأحاديث التي تدور داخل رأسك طوال اليوم يمكن أن تكون لها تأثير هائل على حالتك الذهنية؟ لذلك، فإن هذا هو بالضبط سبب أهمية الحديث الإيجابي مع النفس لصحتك العقلية والعاطفية. 


يمكن أن يكون للحديث مع النفس أو حوارك الداخلي تأثير كبير على احترامك لذاتك وقيمتك الذاتية والطريقة التي ترى بها العالم. وقد اتضح أن الإيجابية يمكن أن يكون لها انعكاس هائل على صحتك وسعادتك. ومع ذلك، فالأمر ليس سهلًا مثل النظر في المرآة لتلاوة بعض العبارات الإيجابية. يتطلب الحوار الداخلي الإيجابي تدريبًا ويجب اعتباره جزءً من روتين الرعاية الذاتية.

 

ما هو الحديث الذاتي الإيجابي؟

 

الحديث الذاتي هو سرد داخلي أو صوت داخلي يدور في رأسك طوال اليوم. قد لا تدرك ذلك حتى، لكن هذا الحوار الداخلي يتحدث إليك عبر جميع تجارب الحياة، عبر إعداد وصفة أو إكمال مهمة عادية وحتى تدوين ملاحظات حول بيئتك وتفاعلاتك الاجتماعية. يُعتقد أن الحديث الذاتي عبارة عن أفكار واعية وغير واعية. يمكن أن تكون هذه الأفكار سلبية أو إيجابية، وفي بعض الأحيان يمكننا الدخول في أنماط من الحديث الذاتي التي تنحاز في اتجاه واحد.


أما الحديث السلبي مع النفس، على سبيل المثال، هو عندما نتذكر غالبًا التجارب السلبية ونعيد التفكير في الأفكار السلبية حول عدم كوننا جيدين بما يكفي مرارًا وتكرارًا. وفي النهاية، تبدأ هذه الأفكار الداخلية في تغيير طريقة تفكيرنا وتؤثر على إحساسنا بقيمة ذاتنا.

 

من ناحية أخرى، الحديث الإيجابي مع النفس، هو أن تغذيها بالأفكار الجيدة واللطيفة. إنه يأتي من مكان التعاطف مع الذات وحب الذات. وتشير الأبحاث إلى أن الانخراط في الحديث الذاتي الإيجابي يمكن أن يساعد في تغيير السلوكيات ومكافحة مشاكل الصحة العقلية، مثل الاكتئاب والقلق. كما أن الحديث الإيجابي عن النفس للأطفال قوي أيضًا ويمكن أن يكون له نفس الفوائد الصحية.


فوائد الحديث الذاتي الإيجابي

 

1- يقلل من التوتر

 

تتمثل إحدى الفوائد الرئيسية للحديث الإيجابي مع النفس في قدرته على مساعدتك في مواجهة المواقف الصعبة التي تسبب التوتر. إنه يبقيك في مكان متفائل، مما يسمح لك بالتعامل بشكل أفضل مع الأحداث أو الظروف المجهدة.

 

تسلط الدراسات الضوء على أن عواقب التحدث مع النفس بطريقة سلبية لها تأثير كبير، حيث يمكن أن يزيد التوتر من خطر الإصابة بالالتهابات، وضعف جهاز المناعة، واضطرابات الصحة العقلية. يتيح لك استخدام هذا النوع من المهارات العقلية يوميًا حل المشكلات والتعامل مع تحديات الحياة، وبالتالي تقليل التوتر وعواقبه الصحية.

 

2- يخفف القلق

 

تشير الأبحاث إلى أن العديد من أشكال التفكير الإيجابي يمكن أن يسبب انخفاض في مستويات القلق. المفتاح هو استبدال القلق بحوار داخلي أكثر إيجابية من أجل مواجهة مشاعر القلق. وجدت دراسة لتقييم فعالية التدريب على الحديث الذاتي على الرياضيين الصغار أنه يقلل من القلق ويزيد الثقة بالنفس، والتحسن الذاتي، والفعالية الذاتية، والأداء. وقد تلقى الرياضيون الشباب في المجموعات التجريبية إما أسبوعًا واحدًا أو ثمانية أسابيع من الحديث الذاتي، والذي أثبت أنه يعزز العقلية النفسية للمشاركين.

 

3- يعزز الثقة بالنفس

 

تشير الأبحاث إلى أن الحديث الإيجابي مع النفس يعمل على زيادة الثقة بالنفس، مما يُحسن الأداء والعلاقات المهنية، والذي له تأثير معاكس تمامًا للأفكار الداخلية السلبية، والتي يمكن أن تؤدي إلى مشاكل احترام الذات والشعور بانعدام القيمة الذاتية.

 

4- يزيد السعادة

 

هل ما زلت تحاول معرفة كيف تكون سعيدًا؟ اتضح أن ممارسة الإيجابية تزيد من السعادة وقد تجعلك تشعر بمزيد من النشاط والتفاؤل. في حالة التفكير الإيجابي، يمكننا التواصل بشكل أفضل مع الآخرين ونجد أنه من السهل الشعور بالاسترخاء. 

 

5- يُشجع على العادات الصحية

 

يشجعك الحديث الإيجابي مع النفس على اختيار العادات الصحية والتمسك بها. المفتاح هو جعل أفكارك الإيجابية تتفوق على أفكارك السلبية، مما يتيح لك أن تكون في مساحة ذهنية أكثر صحة وتفاؤلًا وتشجعًا. كيف ستتعامل مع جسمك جيدًا عندما تحط من قدر نفسك باستمرار أو تفكر بشكل سلبي في العالم؟ حوارك الداخلي له تأثير كبير على مزاجك ودوافعك للبقاء بصحة جيدة.


كيف يعمل الحديث الإيجابي مع النفس؟

 

إذا نظرت إلى العوامل النفسية المتعلقة بالتفكير السلبي، فسترى غالبًا أربع فئات تُستخدم لشرح كيف ولماذا ينخرط الناس في الحديث الذاتي السلبي. تشمل هذه الفئات:

 

  • التخصيص / التشخيص: لوم نفسك على كل ما يحدث بشكل خاطئ.
  • التضخيم: تميل إلى التركيز فقط على العوامل السلبية لتجربة أو موقف بينما تتجاهل الإيجابية.
  • الاستقطاب: ترى الأشياء على أنها "أبيض وأسود"، بدون أرضية رمادية أو وسطى. هذا يعني أن الأشياء إما سلبية أو إيجابية، جيدة أو سيئة.
  • الميل إلى التفكير الكارثي: تتوقع دائمًا نتيجة أسوأ أو أكثر سلبية.

 

أما الحديث الإيجابي مع النفس فيعمل من خلال تغيير روايتك الداخلية بحيث تكون البطل بدلًا من الشرير. عندما تفعل ذلك بانتظام، تبدأ في تغيير طريقة تفكيرك وشعورك بقيمتك الذاتية. إذا كنت جديدًا في ممارسة هذا النوع من الرعاية الذاتية، فإليك بعض الخطوات التي يجب اتباعها للبدء:


1- تحديد العوامل السلبية للحديث الذاتي

 

قبل أن تتمكن من مواجهة الرسائل الداخلية السلبية بنجاح، عليك أن تحدد محفزات الحديث السلبي مع النفس. ما الأحداث أو المواقف التي تؤدي إلى الحديث الذاتي السلبي بالنسبة لك؟ ربما يكون ذلك عندما تكون داخل دائرة اجتماعية معينة، أو تنجز مهمة في العمل، أو ترعى أطفالك، أو تمارس الرياضة. من الممكن أن تساعدك كتابة الرسائل السلبية الموجودة في رأسك والعمل على إنشاء طرقًا تتصدى لهذه الأفكار الضارة.


2- التركيز على الرعاية الذاتية

 

تذكر أن الحديث الإيجابي مع النفس يمكن أن يؤثر على صحتك العقلية، والعاطفية، والجسدية. تعامل معه كجزء من روتين الرعاية الذاتية الخاص بك. تمامًا مثل تناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة والحصول على القدر الكافي من الراحة، فإن الحفاظ على عقلية إيجابية أمر مهم جدًا لصحتك العامة. إلى جانب ممارسة الإيجابية، هناك بعض الأشياء الأخرى التي يمكنك القيام بها كجزء من قائمة الرعاية الذاتية الخاصة بك:

 

  •  خصص وقتًا للمرح والاسترخاء.
  • اقضي بعض الوقت في ممارسة التأمل والهدوء.
  • قم بالانخراط في محادثات إيجابية مع أحبائك.
  •  قم بتحضير وجبات صحية تحبها.

 

3- الممارسة اليومية

 

يستغرق الأمر وقتًا وممارسة لتغيير حوارك الداخلي بشكل جذري. كن صبورًا مع نفسك، وخصص وقتًا كل يوم لممارسة الحديث الإيجابي مع النفس. مارس عباراتك الإيجابية التي تمنحك الفخر، والطاقة، والشعور بقيمة الذات.

 

4- البعد عن كل ما يُعطلك عن هدفك

 

إذا كان هناك نشاط أو بيئة أو شخص يؤدي دائمًا إلى الحديث السلبي مع النفس والشك بالذات، فقد حان الوقت للتفكير في إجراء تغيير. إذا لم يكن ذلك مفيدًا لك ولصحتك وسعادتك، فاستكشف الخيارات الأخرى. قد يعني هذا إحاطة نفسك بأشخاص إيجابيين والحفاظ على مسافة بعيدة عن أولئك السلبيين. إذًا اقضي وقتك في بيئات إيجابية بدلًا من الوقوع في روتين سلبي.

 

أمثلة توضيحية لتطبيق الحديث الذاتي الإيجابي

 

هناك العديد من الطرق للانخراط في الحديث الذاتي الإيجابي. فهناك استراتيجيات تساعد الناس على البقاء في مكان إيجابي وحيوي. فيما يلي بعض الأمثلة على تأكيدات التحدث الذاتي الإيجابية أو العبارات التي يمكنك العمل عليها في يومك لتشكيل عقلية إيجابية:

 

  • "أنا لديّ قيمة وهدف."
  • "أنا فخور بنفسي."
  • "أنا مسؤول عما أشعر به."
  • "لقد اخترت السعادة."
  • "أنا أشعر بالامتنان."
  • "أنا جيد بما فيه الكفاية."
  • "لديّ القوة لإحداث التغيير."
  • "لن استسلم أبدًا."
  • "أنا مسؤول عن صحتي وسعادتي."

 

أما عن الأفكار الأخرى التي يمكنك إدخالها في يومك لتعزيز الحديث الإيجابي مع النفس، جرب هذا:

 

  • مارس الامتنان: كن ممتنًا للأشياء الصغيرة التي تجعلك تبتسم أو تجلب لك الفرح أو تجعلك تشعر بالراحة.
  • قم بإسعاد الآخرين: إظهار اللطف للآخرين يعزز سعادتك. قدم مجاملات ذات مغزى، وانشر اللطف حيثما يمكنك ذلك.
  • تجنب الشكوى: بدلًا من تسليط الضوء على السلبيات في يومك، وحالتك المزاجية، والطقس، وغير ذلك، ابحث عن شيء إيجابي وممتع للتحدث فيه.
  • التحدث مع الأشخاص الإيجابيين: التواجد مع الأشخاص الذين يجعلونك تشعر بالراحة والأمان والاحترام أمر مهم لدعم الحديث الإيجابي مع الذات.

 

المخاطر والآثار الإيجابية

 

ما هي المخاطر والآثار الجانبية للحديث الإيجابي مع النفس؟ من الآمن أن نقول إنه لا يوجد أي شيء، ولكن الحديث السلبي مع النفس يمكن أن يسبب ضررًا حقيقيًا، مما يؤدي إلى زيادة التوتر، والقلق، والاكتئاب، وسوء الحالة المزاجية، وضعف العلاقات، وغيرها من الأضرار. ومع ذلك، هناك شيئًا واحدًا يجب أن تضعه في اعتبارك، هو أنه لا يجب أن تنكر ما تشعر به. إذا كان هناك شيء يزعجك أو يسبب لك ألمًا عاطفيًا، فلا تقم بتغطيته بالحديث الذاتي الإيجابي بل الجأ لطلب المساعدة من أحد أفراد أسرتك أو معالجك النفسي.

 

هل من الطبيعي التحدث مع نفسك؟ نعم! كلنا نفعل ذلك طوال اليوم، وكل يوم. إنه يسمى حوارنا الداخلي، وهو أمر طبيعي تمامًا. الحديث الإيجابي مع النفس هو عندما يكون حوارك الداخلي متفائلاً، ومشجعًا، ورائعًا. تُظهر الأبحاث أن استخدام الحديث الإيجابي مع النفس هو طريقة رائعة للتأثير بشكل إيجابي على مزاجك، وعلاقاتك، وتقدير الذات، والصحة العامة. المفتاح هنا هو التفوق على الحديث الذاتي السلبي بالأفكار الإيجابية. يمكنك القيام بذلك عن طريق تحديد ما يثير الأفكار الداخلية السلبية وإنشاء طرق أو عبارات داخلية لمواجهة هذه العقبات.

في الأخبار