تعرف على تأثير فيروس كورونا على الصحة العقلية للمرأة

الدكتورة هبه الزعبي

الدكتورة هبه الزعبي

طبيبة

يعد فيروس كورونا من الفيروسات التي يصعب السيطرة عليها، فهو يهاجم جميع أنواع أجهزة الجسم، ويسبب كل أنواع الأضرار للرئتين، والقلب، والكبد، والكلى. وعلى الرغم من أن هذا غير مؤكد، إلا أن هناك أبحاث تقول أنه يهاجم المخ أيضًا. كما أن الوباء الذي تسبب فيه الفيروس كان مدمرًا للصحة العقلية. وللأسف، في كثير من الحالات، تكون النساء أكثر الفئات ضعفًا تجاه هذا النوع من الدمار.


في دراسة جديدة أجرتها "منظمة كير"، وهي منظمة مساعدات دولية غير هادفة للربح. وجد المحققون أنه في حين أن لا أحد تقريبًا بمنأى عن القلق والإرهاق العاطفي العام الناتج عن وباء الفيروس التاجي، فإن احتمال إصابة النساء بهذه الأعراض، يزيد نحو ثلاثة أضعاف عن الرجال تقريبًا. ومن ضمن تلك العواقب الوخيمة على الصحة العقلية، القلق، وفقدان الشهية، وعدم القدرة على النوم، وصعوبة إكمال المهام اليومية.

 

وقد كانت الدراسة السابقة طموحة، وتضمنت استطلاعات رأي شملت 10400 امرأة ورجل في 38 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، بالإضافة إلى دول أخرى في أمريكا اللاتينية، وآسيا، والشرق الأوسط. ومن خلالها، اكتشف المحققون طريقتين مختلفتين للتحقيق. حيث سألوا النساء أولًا عن حالتهم العاطفية، ثم بحثوا عما قد يكون السبب وراء المشكلات. وتقول "إميلي جانوك"، مديرة إدارة المعرفة والتعلم في "منظمة كير"، التي قادت الدراسة: "كان لدينا الكثير من البيانات النوعية من النساء حول التوتر، والخوف، والقلق بشأن المستقبل. ثم تعمقنا في هذه الإجابات وبحثنا عن العامل المسبب."


الضغوط الاقتصادية

 

ما وجدته "إميلي جانوك" وزملائها بشكل متكرر خلال الدراسة، هو أن النساء تعرضن لضغوط معينة، كان الرجال قادرون على التخلص منها بشكل أكبر. وكانت هذه الضغوط اقتصادية بشكل كبير. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، من شهر فبراير إلى مايو، تم تسريح 11.5 مليون امرأة من وظائفهن، مقابل 9 ملايين رجل. وقد حدث فقدان الوظائف هذا في نظام تشكل فيه النساء بالفعل 66.6% من القوة العاملة في 40 وظيفة ذات أقل أجور في البلاد.

 

تُشكل متطلبات العمل في المنزل عبئًا عاطفيًا ثقيلًا على النساء أيضًا. في الولايات المتحدة، تقوم 55% من النساء العاملات بالأعمال المنزلية مقارنة بـ 18% من الرجال، كما تميل النساء إلى قضاء ضعف الوقت مع أطفالهن مقارنة بالرجال. فعندما تغلق المدارس ويترك الأطفال مع التعلم من خلال الانترنت فقط، يقع عبء الحفاظ على تركيزهم، والتحقق من إتمام مهامهم بشكل صحيح على عاتق النساء. وجدت دراسة "منظمة كير" أن هذا التفاوت كان شكله أسوأ في أمريكا اللاتينية، حيث أنه قد تم إغلاق 95% من المدارس في المنطقة، وبالتالي بقاء الأطفال في المنزل كل الوقت، الذي بدوره وضع كل عبء رعاية الأطفال تقريبًا على عاتق النساء.

 

وقد كانت الأمور أصعب في الدوّل النامية. في بنغلاديش،على سبيل المثال، وحيث يُحتمل أن يتم تسريح النساء أكثر بست مرات من الرجال نتيجة للركود الذي تسبب فيه فيروس كورونا. وحيث أبلغت نسبة ضخمة تبلغ 100% من 542 امرأة شملهن الاستطلاع عن زيادة مشاكل الصحة العقلية. وتتفاقم الخسائر بسبب عدم القدرة على الحركة، إما بسبب القيود الدينية التي تمنع المرأة من مغادرة المنزل دون مرافقة أحد أفراد الأسرة من الذكور، أو بسبب عدم توفر وسائل النقل العام. في كلتا الحالتين، إن هذا يحد من وصولهم إلى خدمات، مثل رعاية الصحة العقلية، والتي في كثير من الحالات، هن في أمس الحاجة إليها.

 

عندما تسأل النساء عما إذا كان قلقهن قد ارتفع؟ يجيبن بـ "نعم"، وإليك جزء من الأسباب المسببة للقلق: "لست متأكدة من عدد الأيام التي يمكنني فيها إطعام أسرتي، أخشى أن أفقد وظيفتي، وليس لدي خطة احتياطية."


العمل عالي الخطورة

 

ظهرت مشاكل مماثلة للمشاكل السابقة في الشرق الأوسط. حيث أبلغت 49% من النساء في لبنان عن فقدان وظائفهن مقابل 21% من الرجال. وفي المجتمع الفلسطيني، تميل النساء اللواتي لديهن وظائف إلى العمل في مجالات عالية الخطورة، حيث تعمل 44% منهن كمعلمات، أو ممرضات، أو غيرها من المناصب في الخطوط الأمامية التي تكون عُرضة للخطر والإصابة خلال فترة الوباء. وإذا بدأوا في المعاناة عاطفيًا بسبب الإجهاد، فغالبًا ما يكن لديهن القليل من سبل الرعاية: قالت 8% فقط من النساء، إنهن يحصلن على رعاية صحية عقلية مناسبة، مقارنة بـ 67% من الرجال.

 

تقول "إميلي جانوك"، مديرة إدارة المعرفة والتعلم في "منظمة كير": "في كثير من الأحيان، لا يُسمح للنساء إلا بالذهاب إلى أماكن الرعاية الصحية التي يعمل بها النساء فقط، وعدد الأطباء النساء أقل بكثير من الرجال. أيضًا، غالبًا ما يُتوقع من النساء الذهاب إلى الرعاية الصحية برفقة أحد أفراد الأسرة من الذكور، وهو أمر غير ممكن في كل الأوقات، خاصةً أثناء فيروس كورونا.

 

في أماكن أخرى من آسيا، تميل النساء أيضًا إلى العمل في المجالات التي تعرضهن لخطر أكبر للإصابة بفيروس كورونا، بما في ذلك العمل في المصانع المزدحمة وتجارة الجنس. في جميع أنحاء العالم، النساء أكثر احتمالًا من الرجال للعمل كخادمات في المنازل، وعندما حدثت إجراءات الإغلاق الكامل، واجه العديد منهن خيارًا رهيبًا: إما البقاء في الحجر الصحي مع أسرة صاحب العمل والاحتفاظ بوظائفهن، أو البقاء في الحجر الصحي مع أسرهم. وبالتالي، فقدان مصدر الدخل الذي يجعلهن قادرين على إعالة أنفسهن وعائلاتهن.

 

تُشكل الكيانات الاقتصادية العريضة دورًا أيضًا. بشكل عام، تعمل النساء أكثر من الرجال في الاقتصاد غير الرسمي أو ما يسمى بالأسواق الرمادية، مثل أكشاك وأسواق خارجية غالبًا ما تكون غير مرخصة وغير منظمة، ولكنها توفر دخلًا للملايين منهن. في فترات الركود النموذجية، تميل الشركات الرسمية إلى الإغلاق ووقف العمل، بينما تستمر الشركات الموجودة على الأطراف في العمل. ولكن فيروس كورونا أدى إلى السير في اتجاه معاكس، حيث أدى التباعد الاجتماعي إلى جعل الأسواق المزدحمة عادة مناطق محظورة.

 

تقول "جانوك": "لقد دُمر الاقتصاد غير الرسمي بالكامل بسبب القيود". "التدمير" هو الوصف العادل للكثير من الأشياء الأخرى التي تأثرت بالوباء. الشركات المُغلقة، والاقتصادات المحطمة، والأُسر التي تحزن على أحبائهم المفقودين، كانت جميعها أبرز عواقب الوباء العالمي. 


استراتيجيات المواجهة والحصول على المساعدة

 

سواء بدأتِ بفحص عبر الإنترنت، أو بمحادثة طويلة مع صديق، أو محادثة مفصلة مع زوجك، فإن أهم شيء يجب أن تدركيه هو أنكِ لست وحدك في هذا الأمر. في حين أن الخطة المحددة للعثور على المساعدة التي قد تحتاجها ستختلف من امرأة لأخرى، إلا أن هناك بعض الأشياء التي يمكننا القيام بها جميعًا لتحسين صحتنا العقلية أثناء وباء فيروس كورونا:

 

  • اصنعِ روتينًا والتزمي به : بصفتنا نساء، نتمتع بميزة خلق الروتين والالتزام به. ضعي أهدافًا واقعية لروتين متوازن يأخذ في الاعتبار المهام العديدة في حياتك، مع ترك مساحة لوقت "الراحة" المهم جدًا. شاركي هذه النقطة مع من حولك، وناقشي كيف يمكن أن تساعدِ في صنع روتينهم.
  • لديك حدود عند العمل في المنزل: لقد تحوّل الكثيرون إلى العمل عن بُعد. وأحد مخاطر العمل عن بُعد، هو أنه لا أحد يخبرك أنه حان وقت التوقف، والذهاب إلى المنزل مثلما يحدث خلال العمل من المكتب. تأكدي من الالتزام بجدول العمل وفصله في نهاية اليوم. فعقلك يحتاج إلى الراحة.
  • ابقِ على اتصال بمن حولك مع الحفاظ على سلامتك: لقد أغلق الوباء العديد من الأبواب التي كنا نتواصل من خلالها بشكل متقارب مع الناس من حولنا، ولكن من المهم البقاء على اتصال بمن حولك من العائلة والأصدقاء، حتى ولو كان ذلك من خلال الإنترنت.
  • ممارسة الرياضة والتغذية: يجد الكثيرون أن المزيد من الوقت في المنزل يعني المزيد من الإغراء لتناول الوجبات السريعة وممارسة الرياضة بشكل أقل. قد تكون صالات الألعاب الرياضية مغلقة، ولكنه ليس عذرًا للإهمال في نوعية الأكل وممارسة الرياضة. لا يمكن أن يكون للنظام الغذائي السلبي تأثيرًا على الصحة البدنية والتمثيل الغذائي فحسب، بل يؤثر نظامك الغذائي أيضًا بشكل كبير على صحتك العقلية.
  • العناية الوقائية للعقل والجسم: مهم أن تدركي أن قيود فيروس كورونا، لا تعني أنه يجب تعليق صحتك العقلية أو الجسدية. الطب الافتراضي (الرعاية الصحية عن بعد) وإجراءات التباعد الاجتماعي الشخصية تخلق طرقًا جديدة وآمنة للرعاية كل يوم. إذا كنتِ قلقة قليلًا بشأن صحتك العقلية، أو كانت لديك أسئلة أو مخاوف لمن حولك، فاطلبِ المساعدة من الخطوط الساخنة والإرشادات عبر الإنترنت المتاحة من المنظمات المهتمة والمتصلة في بلدك.

 

وفي نهاية هذه المقالة، نريد إخبارك أن ما تشعرين به من حالة نفسية وعقلية غير مستقرة، تشعر به آلاف بل ملايين النساء حول العالم. ولكن يجب ألا تدعين فيروس كورونا وآثاره تجبرك على إهمال صحتك العقلية. تواصلي مع أخصائي الصحة النفسية والعقلية، أو تحدثي مع أحد أصدقائك، أو قومي بقراءة الكتب التي تساعدك على الخروج من الحالة النفسية الحالية.

في الأخبار